" الربايعة".. شابة غزية تُصارع السرطان تحت وطأة الحرب

تقارير وحوارات

الاستقلال/ دعاء الحطاب:

 

داخل خيمة صغيرة مصنوعة من النايلون وقطع القماش البالية، في حي النصر غرب مدينة غزة، ترقد الشابة إسلام الربايعة (30 عاما) على حصيرة مهترئة، تصارع المرض بجسدها النحيل الذي اغتاله سرطان الغدد الليمفاوية منذ عام، دون تلقي العلاج اللازم.

 

 ففي غزة، حيث لا دواء ولا أمل لمرضي السرطان، حصلت "اسلام" بصعوبة بالغة على تحويلة طبية للعلاج خارج القطاع، لكن المعابر المغلقة سدت معها نوافذ نجاتها، مما ضاعفت من سوء حالتها الصحية بعد تضخم الخلايا السرطانية بـ( القصبة الهوائية) في جسدها الهزيل.

 

ولم تجد "اسلام" بديلاً لإخماد أوجاعها وألآمها المتزايدة يوما بعد الأخر، سوا الموافقة على أخذ جرعات كيماوية أكبر من الحد المسموح لحالتها الصحية، باعتبار أنها النوعية الوحيدة المتوفرة بالقطاع المدمر.

 

وعلى صدى أنين الألم الذى ينهش جسدها، تقول لـ" الاستقلال"، أن حالتها الصحية تدهورت وألامها تضاعفت  بعدما أخذت جرعات الكيماوي، مضيفةً:" المرضى بيقوموا من السرير بعد يومين او ثلاث من جرعة الكيماوي، أنا بقعد بالفراش لـ 20 يوم دون حركة أو أى نشاط". 

 

وما إن تبدأ "اسلام" بالتعافي من جرعة الكيماوي، حتى تأتي موعد الجرعة الثانية، مما جعلها أسيرة للمرض وعاجزة تماماً عن خدمة نفسها أو القيام بمسؤولياتها تجاه أطفالها الثالثة. بحسب قولها.

 

وتضيف بحزن يعتصر قلبها:"بعد الجرعة الثالثة، لم يعد لدي القدرة على تحمل آلام الكيماوي، لذا قرر الأطباء وقف العلاج والتسريع بتحويلي للعلاج بالخارج، لكن لا جواب حتي الآن".

 

وتتابع بحسرة :" حصلت على تحويلة طبية رقم (١) عاجلة جداً للعلاج بالخارج منذ عام، لكنني لم استطع السفر حتى الان، وبقي اسمي على قوائم الانتظار دون رأفة بحالي".

 

وبلسان مثقل بالألم، وبكلمات قليلة تكابد من أجل نطقها وهي تلهث كمن ركض لمسافة طويلة، "كل يوم يمر دون علاج يتضخم حجم الكتلة ويؤثر على مجري التنفس، واذا لم أسافر خلال أيام سأُحمل إلى القبر".

 

رجاء بلا توقف

 

 

ورغم حالة الإحباط والألم التي تعتري "اسلام"، ازاء معاناتها من انعدام العلاج ومنعها من السفر، لا تمل من طرق مختلف الأبواب لبث حزنها وشرح معاناتها داخل مدينة مُدمرة تفتقر لأدنى مقومات الحياة، لعلها تفتح بأحزانها أبواب الأمل المغلقة تحت مقلصة الاحتلال وصمت العالم.

 

وتوضح بأسي:" ناشدت مراراً لتسريع خروجي، لكن دون جدوى، بينما ارى حالات أقل خطورة تحصل على تنسيق للسفر".

 

وتستصرخ في حديثها لـ" الاستقلال"،  منظمة الصحة العالمية وأصحاب القلوب الرحيمة بالدول الأوروبية، لإنقاذ حياتها ، وتسريع سفرها للعلاج بالخارج، فهي لا تريد أن تسقط فريسة لمرضٍ يمكن علاجه، مضيفةً:" ما بدي أطفالي يعيشوا بدون أم، ما بدي يعيشوا اليتم بدري".

 

وناشدت المجتمع الدولي بضرورة التحرك من أجل تسهيل سفر مرضى السرطان لاستكمال علاجهم بالخارج وتوفير الرعاية الطبية اللازمة لهم، مبينة أن وجودهم في قطاع غزة يضعهم في دائرة "المجهول" في ظل ظروف النزوح والتجويع والإبادة

 

اكتشاف المرض

 

لم تكن "اسلام" مُصابة بمرض السرطان قبل بدء حرب الإبادة الاسرائيلية على القطاع في السابع من أكتوبر /تشرين الاول 2023م، فقد كانت تتمتع بصحة جيدة تُمكنها من القيام بكافة مسؤولياتها وواجباتها تجاه عائلتها الصغيرة المكونة من 5 أفراد، وتحملت قسوة الحياة التي فرضتها الحرب على سكان القطاع كافة.

 

وصمدت " اسلام" في مخيم جباليا تحت ضربات طائرات الاحتلال وصواريخها الفتاكة وأحزمتها النارية المدمرة لأكثر من عام، واستنشقت الكثير من الغازات السامة والفسفور الذي كان يُلقيه الاحتلال على المواطنين في مراكز النزوح ومدارس الايواء لإيقاع أكبر عدد من الضحايا.

 

 وفي مطلع شهر ديسمبر عام 2024، بدأت "اسلام" تعاني من حالة أعياء شديد وهزلان وضيق بالتنفس وصداع واغماء مستمر، إلا أن الأطباء لم يتمكنوا من تشخيص حالتها الصحية واعطائها العلاج المناسب نتيجة خروج المستشفيات عن الخدمة آن ذاك. بحسب قولها.

 

ومع تدهور الحالة الصحية لـ"اسلام" اضطرت وأسرتها النزوح من شمال القطاع لجنوبه، وتنقلت مرارا من مكان إلى آخر، حتى تمكنت من الوصول إلى مستشفى الكويتي  برحلة محفوفة بالمخاطر، لتُشخص حالتها على أنها مصابة بكتل سرطانية بالغدد اللمفاوية "القصبة الهوائية".

 

وأوضحت أن الأطباء بمستشفى الكويتي ومستشفي الحلو الدولي أكدوا أن إصابتها بالسرطان جاء نتيجة  لاستنشاق كميات كبيرة من الفسفور والغازات السامة الناجمة عن الغارات الإسرائيلية.

 

حُلم بعيد المنال

 

بدموع تملئ عينيها، تقول:" عندما اكتشفت المرض شعرت بحزن كبير جداً لأنني أدرك جيداً أن مصير مرضي السرطان الموت، وفقدت الأمل بالحياة والنجاة، لكن عندما عملت أن هذا النوع من السرطان يمكن علاجه والتخلص منه شعرت بنوع من الأمل وبدأت أسعي للعلاج".

 

لم يدم الأمل لدي "اسلام" بالنجاة طويلاً ، فسرعان ما صُدمت بالواقع المأساوي في قطاع غزة، حيث يظل المرضي عالقين بين جدران المستشفيات المتهالكة والمعابر المغلقة، يصارعون المرض والحرب معًا، وسط حالة من صمت وخُذلان الدولي، ليبقى الإجلاء الطبي حلمًا بعيد المنال، بينما يقترب الموت شيئًا فشيئًا من أجساد أنهكها الألم والحصار.

 

وبينت أن العالم بأسره يخصص كل اهتمام ورعاية خاصة لمرضي السرطان، لكن في غزة هؤلاء المرضى محكوم عليهم بالإعدام، فلا أدوية ولا تصاريح متاحة، واحتلال يُحكم قبضته وحصاره على القضاء والأمور تسيىر نحو الأسوء.

 

ولا تتعدي مطالب الشابة " اسلام" سوى الوقوف إلى جانبها، والسماح لها بالسفر لتلقى العلاج، بعد أن تضاعفت حالتها الصحية سوءاً مستدركة :" ما بدي أكل ولا شرب ولا فلوس ولا حتى بيت، انا ما بطالب إلا بحقي في العلاج".

 

 

مخاطر حقيقية

 

ومن جانبه، كشف المدير الطبي لـ"مركز غزة للسرطان"، الدكتور محمد أبو ندى، أن 1500 مريض بالسرطان فقدوا حياتهم في قطاع غزة ومنذ بداية الإبادة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، جراء استهداف مستشفيات ومراكز علاج السرطان وحرمانهم من تلقي العلاج اللازم.

 

وحذر أبو ندى ، في تصريحات صحفية، مؤخراً، من مخاطر حقيقية تهدد مرضى السرطان بسبب انقطاع العلاج، لافتاً إلى وجود 11 ألف مريض سرطان بالقطاع، من بينهم 5 آلاف لديهم تحويلات للخارج.

 

وقال: "مريض السرطان لو لم يشخص مبكرا ويعالج مبكرا سيتنشر المرض في جسده، والـ 5 آلاف مريض لو لم يخرجوا للخارج للتشخيص والعلاج من المحتمل انتشار المرض في أجسادهم".

 

وشدد على ضرورة السماح لمرضي السرطان بالسفر لتلقي العلاج الكيماوي والإشعاعي، موضحًا أن الإمكانات المتوفرة داخل غزة محدودة ولا تغطي احتياجات جميع المرضى، ولا تناسب حالات كثيرة.

 

وأشار أبو ندى إلى أن الوفاة اليومية لمريضين بالسرطان في المتوسط منذ بدء الحرب، تعود إلى غياب العلاج ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية، كما تفاقمت معاناة المرضى بعد إغلاق إسرائيل المعابر أمام المساعدات الإغاثية في 2 مارس/ آذار، حيث وصلت نسبة العجز في الأدوية الأساسية إلى 37%، وفي المستهلكات الطبية إلى 59%، بحسب وزارة الصحة.

 

وأضاف أن مرضى السرطان يعانون من ضعف المناعة ويعيشون في بيئة ملوثة، تفتقر إلى النظافة وتنتشر فيها الغازات السامة الناجمة عن القصف، كما يضطر كثير منهم للعيش في مراكز إيواء مزدحمة تنتشر فيها الأوبئة والأمراض المعدية، ما يهدد حياتهم بشكل مضاعف.

 

وأكد أبو ندى أن مرضى السرطان هم من الفئات الأشد تضررًا من سياسة التجويع التي تمارسها "إسرائيل"، إذ يحتاجون إلى غذاء خاص غني بالعناصر المقوية للمناعة، لكنهم باتوا يبحثون مثل غيرهم عن أبسط مقومات البقاء، في ظل شحّ الغذاء.

التعليقات : 0

إضافة تعليق